الطراز السلماني – مفهوم معماري يُجسد الأصالة والحداثة
أكثر من خمسة عقود قضاها الملك سلمان بن عبدالعزيز في تحويل بلدة صغيرة إلى عاصمة عالمية، أثناء إمارته لمنطقة الرياض، تمكن خلالها من تأسيس فلسفة ورؤى فريدة في التصميم المعماري، وإنشاء مبان وساحات طبعت تفاصيلها في الذاكرة، عبر تصاميم راسخة لا يحدها زمن، تخاطب الحواس، وتحيي المكان، وتعزز الاختلاف والتنوع في تشكيلها.
في وقت سابق من ديسمبر، أطلقت هيئة فنون العمارة والتصميم “ميثاق الملك سلمان العمراني”، في مبادرة تعنى بتنمية القطاع العمراني، تميزت بمفاهيمها وارتباطها بالموروث التاريخي للمكان، عرفت بـ”العمارة السلمانية”.

الطراز السلماني
أول من أطلق “الطراز السلماني” على هذه الفلسفة العمرانية التي اتسمت بها مدينة الرياض هو الأمير الدكتور عبدالعزيز بن عياف، في مقال له كتبه بعد أن لازم الملك سلمان على مدى 15 عاما، شغل فيها منصب أمين منطقة الرياض، قاصدا بهذا المصطلح دروسا منتقاة من هذه الحركة المعمارية وفلسفتها في التصميم، تجلت في مبان ومجمعات متنوعة مثل الجامع الكبير، مجمع قصر الحكم، قصر المصمك، مركز الملك عبدالعزيز التاريخي، قصر طويق، ساحة الكندي، حي السفارات، حي الطريف التاريخي، قصور آل مقبل، سوق الثميري، وادي حنيفة، مطار الملك خالد الدولي، وزارة الخارجية، مكتبة الملك فهد الوطنية، المحكمة العامة، المحكمة الجزائية، ومتنزه سلام، التي حصلت على جوائز وطنية وعالمية، ووصف بعضها بأنه تحفة معمارية حضارية.
يستند ميثاق الملك سلمان العمراني – الذي أطلق أخيرا – إلى الأصالة، باعتبارها جوهر الإبداع، القائمة على المرونة مع القدرة على التفاعل مع الجديد، وإمكانية اختراق حواجز الزمان والمكان والمواد، كما أن العمران فيها متوافق مع الطبيعة والمناخ، ومتسق مع البيئة المحيطة.
لون يتماشى مع عاداتنا وتقاليدنا

عايش الملك سلمان في طفولته المدينة التاريخية، ونشأ في قصر المربع، المجدد حديثا، الذي مثل مركزا متمدنا على مساحة محدودة يمكن قطعها مشيا على الأقدام، تتألف من مبان بنيت بالطوب اللبن، تحيط بها حدائق، ومزارع لإنتاج محصولات تكفي احتياجات ساكنيها، فكان للمدينة والقصر الأثر المهم فيه.
في كتاب “ميثاق الملك سلمان العمراني”، الصادر عن هيئة فنون العمارة والتصميم، يسرد تفاصيل التحديث الذي كان سيفقد العاصمة هويتها التراثية في السبعينيات، لكن الملك سلمان وقف في وجهه في 1974، وقرر وقف عمليات البناء في منطقة قصر الحكم، كون المخططات المعمارية لم تتضمن المكونات المعمارية المحلية اللازمة للحفاظ على هوية وسط الرياض.
ولعل هذه الحادثة كانت البذرة لتأسيس الهيئة الملكية لمدينة الرياض آنذاك، حيث استشعر الملك سلمان مبكرا أهمية وجود بيئة عمرانية أصيلة، تبرز هوية العاصمة المميزة، وأكد ذلك في أكثر من مناسبة، منها حينما كان أميرا للرياض في افتتاح المؤتمر الأول لكود البناء السعودي، وأكد أن هذا اللون المعماري يتلاءم مع الظروف البيئية السائدة في المملكة، ليشكل هوية معمارية متجانسة تتماشى مع عاداتنا وتقاليدنا، وتعبر عن تراثنا وتاريخنا العربي الإسلامي.
جوهر الميثاق
يستخلص الميثاق مبادئه من نماذج معمارية قامت في مدينة الرياض، مثل قصري طويق والحكم، ومركز الملك عبدالعزيز التاريخي، ويتكون من ست قيم يساند بعضها بعضا، هي الأصالة، الاستمرارية، محورية الإنسان، ملاءمة العيش، الابتكار، والاستدامة.
ويقدم الميثاق إرشادات للتطبيق، نصحت قبل المشاركة في التخطيط والتصميم بأن يلم المهندسون بتفاصيل الموقع، ويتحسسون جماله، ويتعايشون معه، وطالبهم بتعزيز أبعاد التصميم المستدام، والاستفادة من تجارب الأسلاف في التعامل مع الظروف المناخية القاسية للتخفيف منها، فأساليب البناء التي استخدموها توفر الراحة المثلى للمستخدمين، وتقلل استهلاك الطاقة، وتوفر إضاءة طبيعية، وتهيئ الظروف المكانية لتحقيق بهجة أكبر للمجتمع.
ودعا الميثاق إلى التصميم والبناء وفق الهوية المناطقية والشخصية المحلية، فكل منطقة تلائمها مواد معينة وألوان مناسبة وزخارف وتشكيلات مختلفة، تكسبها طابعا فريدا.